احمد وليلى
أحمد وليلى: قصة تقدير الذات والعلاقات
في شقة صغيرة بأحد أحياء المدينة، كانت ليلى تنظم السفرة بعناية. اختارت الأطباق التي يحبها أحمد، وأضافت لمسة بسيطة من الزهور في منتصف الطاولة. وقفت أمام المرآة تُعيد ترتيب طرحتها وتبتسم:
“أكيد هيلاحظ إن السفرة مختلفة النهارده.”
عندما دخل أحمد، ألقى بحقيبة العمل على الأريكة وألقى التحية بصوت منخفض، وقال:
- “فيه أكل؟ أنا جعان جدًا.”
شعرت ليلى بوخز في قلبها، لكنها ابتسمت مصطنعة:
- “آه، عملت الملوخية اللي بتحبها.”
جلس أحمد على السفرة وانهمك في الأكل دون أن يلاحظ أي شيء مختلف. لم يعلق على الزهور، ولم يُثنِ على الملوخية كما كان يفعل دائمًا. شعرت ليلى وكأن كل جهدها ذهب هباءً:
“مش شايفني؟ مش واخد باله؟”
مع مرور الأيام، بدأت ليلى تراقب أحمد أكثر. كانت تنتظر إشارات صغيرة تدل على اهتمامه بها كما في بداية زواجهما.
عندما تأخر يومًا، أمضت الساعة الأخيرة قبل وصوله تُراجع رسائله القديمة وتتساءل:
“هو ليه ما بقاش يكتب لي زي الأول؟”
عندما وصل، بدا غارقًا في عالمه الخاص. جلست بجانبه محاولة فتح حوار:
- “أحمد، إنت كويس؟ شكلك تعبان.”
- “آه، الشغل ضغط جدًا.”
بدأت المسافة تتكون بينهما. كل سؤال من ليلى يُفسر بصمت أحمد أو بتنهيداته، بينما هي ترى هذه التفاصيل كدليل على تراجعه عنها.
بعد أسابيع، وجدت ليلى نفسها تركز على كل شيء لا يفعله أحمد، بدلًا من أن ترى ما يفعله بالفعل:
- لم يعلق على تسريحة شعرها الجديدة → شعرت بالإحباط
- نسي أن يُحضر شيئًا طلبته → اعتقدت أنه لم يعد يهتم
في نفس الوقت، شعر أحمد أنه لا يستطيع إرضاءها. كل كلمة يقولها تُفسر بطريقة مختلفة، وكل تصرف بسيط يقابله تعليق:
- “حتى مش واخد بالك إني قصيت شعري!”
- “ليه طول الوقت مشغول؟!”
بدأ أحمد يفضل الصمت، يعود متأخرًا أو يجلس في غرفته لإنهاء أعماله، دون إدراك أنه بذلك يزيد المسافة بينهما.
مواقف الغيرة وسوء التفسير
-
بينما كانت ليلى تطهو، سمعت أحمد يضحك أثناء مكالمة هاتفية:
- “كنت بتتكلم مع مين؟”
- “زميلي في الشغل، كان بيحكي موقف مضحك.”
-
أثناء مشاهدة التلفاز، لاحظت ليلى شاردة:
- “إنت مش مبسوط وإحنا مع بعض؟”
- “يا ليلى، بلاش نكبر الأمور. أنا فعلاً تعبان.”
الأطباق على السفرة كانت مليئة بالذكريات، لكنها شعرت أنه فقد الإحساس بها.
دوامة التوقعات
ليلى بدأت تنتظر من أحمد أن يلاحظ كل شيء: الطبخ، ترتيب البيت، كلماتها أثناء الحديث. وكل مرة لم يأتي الرد الذي تريده، شعرت أنها تسقط خطوة أبعد عن السعادة.
في يوم عادي، فكرت:
“لو بس أحمد قال لي النهاردة شكراً على تعبي… هبقى مبسوطة.”
عندما قال:
- “الأكل حلو، شكرًا.”
لم تشعر بشيء، فكرت:
“قالها عشان الأكل، مش عشاني أنا… ليه ما قالش إنه مقدر تعبي؟”
أدركت ليلى أن إحساسها بالرضا مرتبط بردود فعل أحمد، وأنها تعيش في انتظار هذه اللحظات.
لحظة الانفجار
في إحدى الليالي، بعد يوم طويل، حاول أحمد الجلوس بصمت لمشاهدة التلفاز، لكن ليلى انفجرت:
- “أحمد، إنت ليه مش بتحس بتعبي؟ ليه مش بتتكلم معايا زي الأول؟”
رد أحمد باستغراب:
-
“يا ليلى، إنتي بجد مش شايفة إني فعلاً بحاول؟ أنا بشكرك، وبقولك الأكل حلو، وبسأل عنك… إيه اللي إنتي مستنياه أكتر؟”
-
“أنا عايزة أحس إنك شايفني… مش شايفني خدامة في البيت!”
-
“طب إنتي شايفة إنك بتقدري اللي بعمله؟ بتقدري إن أنا شغال طول النهار عشان أريحك؟”
كلاهما شعر بعدم التقدير، ووقع النقاش الحاد.
خطوات ليلى نحو الاستقلال الذاتي
-
الامتنان اليومي:
كل ليلة تكتب ثلاث حاجات ممتنة لها بعيدًا عن أحمد:- “عملت أكلة جديدة وطلعت حلوة.”
- “شعري كان شكله حلو النهاردة.”
- “حسيت بالهدوء وأنا بشرب فنجان القهوة الصبح.”
-
الاهتمام بنفسها:
التحقت بدورة تعلم الرسم، وهو حلم قديم لها، وشعرت بسعادة لم تشعر بها منذ شهور. -
التواصل من غير توقعات:
لم تعد تنتظر ردودًا محددة من أحمد، وكل موقف يُفسر بتفاهم وصبر:- “هو يمكن مشغول، ده مش معناه إنه مش مهتم.”
مع مرور الأسابيع، بدأ أحمد يلاحظ التغيير. أصبحت ليلى أكثر هدوءًا وأقل مطالبة، ولم تعد تدخل في نقاشات متكررة حول التجاهل.
في إحدى الليالي:
- “إنتي اتغيرتي الفترة دي… إيه اللي حصل؟”
- “حصلت على نفسي! كنت دايمًا مستنية منك تقول لي حاجات عشان أحس إني كويسة… بس عرفت إن اللي مش شايف نفسه كفاية، مش هيشوفه حد.”
الدروس المستفادة
- التعلق الزائد بأي شخص يجعل العلاقة غير متزنة
- الحب الحقيقي يعني أن يكون كل طرف مكتمل في ذاته
- التركيز على الإيجابيات بدلاً من السلبيات يمكن أن يغير ديناميكية العلاقة بالكامل